هل يمكن أن نقيس الأخلاق بالأرقام ؟ يبدو أن ذلك قد أصبح ممكنا . أما مجالات القياس فهي كثيرة ، من بينها: سلوك الدول والأفراد خلال الحروب والعمليات القتالية .
تقول الأرقام التي تذيعها منظمات عدة تابعة للأمم المتحدة إن نسبة المصابين من الحرب العالمية الأولى المدنيين تتجاوز (5%) من إجمالي عدد المصابين . وفي الحرب العالمية الثانية أصبحت النسبة (50%) أي عشرة أضعاف ما كانت عليه في الحرب العالمية الأولى . أما في التسعينيات وفي السنوات الأخيرة من القرن فقد أصبحت النسبة (80.%) من المصابين .
لا نستطيع القول إنه التقدم التكنولوجي الذي توافر لأسلحة الدمار ، فمن المفترض أنه كلما زاد التقدم ، أصبحت الفرصة سانحة بدرجة أكبر لانتقاء الأهداف وحصرها في الجانب العسكري أو المنشآت الإستراتيجية ذات التأثير على الحرب . إنها الحروب غير الأخلاقية ، والتي بلغ عددها عام 1991 (40) حربا منتشرة في ربوع العالم .
وتسجل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) نصيب الأطفال من هذه الجريمة ، فيقول تقريرها عن وضع الأطفال عام 1992 : إن حروب العقد الماضي (الثمانينيات) قد أدت لقتل أكثر من مليون ونصف مليون طفل ، كما تسببت في إعاقة أربعة ملايين من الأطفال بترت أطرافهم أو تلفت أدمغتهم أو فقدوا السمع أو البصر نتيجة للقصف ، أو الألغام الأرضية، أو التعذيب ، وذلك بالإضافة لتحول خمسة ملايين من الأطفال إلى لاجئين في المخيمات ، و (12) مليونا كلاجئين بلا مأوى ، أما الاضطرابات النفسية فحدث عنها ولا حرج ، (10) ملايين طفل عانوا منها بسبب الحروب في تلك الحقبة ، فعندما تبدأ الحرب تكون هناك آثار أخرى غير مباشرة كإغلاق المدارس أو تدمير العيادات الصحية أو قطع خطوط التموين أو تعطيل شبكات الخدمات من مياه وصرف صحي وكهرباء ، مما ينعكس بالضرورة على حياة الأطفال .
في موزمبيق ، حاولت دراسة ميدانية ، حصر آثار العنف على الأطفال فوجدت أنه بين خمسين طفلاً مشردا (42) طفلا منهم فقدوا أحد والديهم في أحداث العنف ، و (11) طفلا شاهدوا أو سمعوا أحد الوالدين يقتل ، و (29) شخصا منهم شاهدوا جريمة قتل ترتكب ، و (16) طفلا تم اختطافهم، وجميعهم تعرضوا للتهديد أو الضرب أو التجويع .
الصورة قاتمة ، وتنبئ بتراجع كل القيم الإنسانية ، لكن الغريب أن يكون ضحايا السلام ، ضحايا الفقر والجهل والمرض أكثر عددا ، وربما أسوأ حالا .